فصل: مسألة يبذر الناس الحبوب فربما أخطأ المرء فزاد على حده من حد جاره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يبذر الناس الحبوب فربما أخطأ المرء فزاد على حده من حد جاره:

ومن كتاب الأقضية الثالث:
وسئل مالك فقيل له: إن أرض مصر ينكشف عنها الماء، وبعضها لضيق بعض، فإذا بذر الناس الحبوب فربما أخطأ المرء، فزاد على حده من حد جاره، الفدان والفدانين، فبذر فيه، ثم ينظر بعد ذلك، فيوجد قد بذر في غير حقه، فيقول رب الأرض: أنا أعطيك بذرك، وكراء بقرك، قال مالك: ما أرى ذلك ولا أظنه، قال: فقيل له: فترى أن تكون تلك الأرض التي وقع فيها بذره له بكرائها؟ قال: نعم، أراها له بكرائها، وله الزرع.
قال محمد بن رشد: قوله: ما أرى ذلك، ولا أظنه؛ معناه: ما أرى ذلك بحوز، ولا أظنه يحل؛ لأنه صدقه فيما ادعاه من الخطأ والغلط، وعذره ذلك بالجهل، فوجب أن يكون له الزرع، ويكون عليه كراء الأرض؛ لأنه زرعه وهو يحسب أنه زرعه في حقه، بعد يمينه على ذلك، حسبما قاله أصبغ في نوازله من كتاب المزارعة، فلما وجب له الزرع، لم يجز لرب الأرض أن يأخذه ويعطيه بذره، وكراء بقره؛ لأنه يكون مبتاعا له بذلك، وسحنون لا يعذره في ذلك بالجهل، ولا يصدق فيما ادعاه من الغلط، ويحمله محمل الغاصب، فيرى الزرع لصاحب الأرض، ولا يرى للزارع شيئا إلا أن يقدر أن يجمع حبه من الفدان حسبما ذكرنا عنه في نوازل أصبغ من كتاب المزارعة، ولا خلاف في أنه لا يعذر في الغلط إذا تجاوز حده بالبنيان في البقعة، وبالله التوفيق.

.مسألة عبد اغتصب فباعه مغتصبه أو سارقه فمات في يدي مشتريه:

من سماع عيسى من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن عبد اغتصب أو سرق، فباعه مغتصبه أو سارقه، فمات في يدي مشتريه، وترك مالا ثم جاء سيده فاستحقه، قال: يخير سيده، فإن شاء أخذ ماله الذي ترك، ورجع المشتري على البائع بالثمن، وإن شاء رجع على هذا المغتصب بالثمن أو بالقيمة، فأخذه منه، ويسلم ماله للمشتري، قال: وكذلك لو كانت أمة اغتصبت، أو رمكة فولدت أولادا ثم ماتت الرمكة أو الوليدة؛ أن سيدها إن شاء أخذ ولدها، ولم يكن له غير ذلك، وإن شاء ترك ولدها، وأخذ الثمن أو القيمة. وهو قول مالك.
قال محمد بن رشد: قوله: إن لسيد العبد المغصوب إذا مات عند المشتري، وترك مالا أن يأخذ ماله، ويرجع المشتري بالثمن على البائع الغاصب، صحيح، لا اختلاف فيه أحفظه؛ لأن العبد لم يخرج عن ملكه، فله أن يأخذ ماله، سواء وجد العبد أو لم يجده، وكذلك له أن يغرم المشتري الذي استحق العبد من يده قيمة مال العبد، إن كان قد استهلكه، وجد العبد أو لم يجده، وكذلك له أن يأخذ من يد الموهوب له، إن كان وهبه، وسواء كان المشتري ابتاع العبد بماله أو كسبه عنده بتجارة، أو وهب إياه، إلا أن يكون سيده هو الذي وهبه إياه، واكتسبه عنده من عمل يده، فلا يكون للمستحق فيه شيء، وإذا اختار المستحق أخذ مال العبد من يد المشتري، وترك الرجوع على الغاضب البائع، رجع عليه المشتري بالثمن، ولو تلف المال عند المشتري، ووجد العبد على حاله عنده، لم يكن له أن يتركه، ويرجع على الغاصب، وحكم الأولاد في ذلك كله حكم المال لا ضمان على المشتري في تلف شيء من ذلك عنده، وله الرجوع بالثمن إذا أخذ منه المال، وقد تلف العبد، أو أخذ منه الأولاد، وقد تلفت الأمهات، ولو تلف الأولاد عند المشتري، ووجد الأمهات عنده على حالها، لم يكن له أن يتركهم ويرجع على الغاصب. واختلف إن تلف الأولاد أو المال عند الغاصب، فقال ابن القاسم: لا ضمان عليه في ذلك. وقال أشهب: عليه فيه الضمان، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري السلعة في سوق المسلمين فيدعيها رجل قبله ويقيم البينة:

ومن كتاب أوله استأذن سيده في تدبير جاريته:
وسئل ابن القاسم عن الرجل يشتري السلعة في سوق المسلمين، فيدعيها رجل قبله، ويقيم البينة أنها اغتصبت منه، فيزعم مشتريها أنها هلكت، قال: إن كانت حيوانا فهو مصدق، وإن كانت مما يغيب عليه لم يقبل قوله، وأحلف بالله الذي لا اله إلا هو أنه هلك، ويكون عليه قيمتها، إلا أن يأتي بالبينة على هلاك من الله إياه، مثل اللصوص والغرق والنار ونحو ذلك، فلا يكون عليه شيء، قيل له: فإن قال: بعتها بكذا وكذا، ولم يكن على ذلك بينة، إلا قوله، أيصدق على ذلك، أم لا يصدق إلا بينة تقوم؟ قال: قوله مقبول في ذلك؛ لأنه قد يعرف الشيء في يديه، ثم يتغير عنده قبل أن يبيعه بكسر أو عور أو شيء يصيبه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة جيدة صحيحة، وإنما قال: إنه يحلف إذا ادعى تلاف السلعة التي اشترى ويغرم قيمتها، مخافة أن يكون غيبها، ومثل هذا يجب في المرتهن والمستعير والصانع يدعون تلف ما يغاب عليه. وقوله في آخر المسألة: إنه إن أتى بالبينة على الهلاك لم يكن عليه شيء، معناه أن يشهد البينة على معاينتها لهلاك ذلك، وهو ظاهر ما في كتاب بيع الخيار من المدونة، ونص قول مالك في رواية ابن القاسم عنه، سئل عن الصناع تحترق منازلهم، فيدعون أمتعة الناس احترقت، مثل الصباغ والخياط والحائك والصواغ، وما أشبه ذلك، قال: لا يصدقون، وذلك من أمر الحريق؛ لأنهم يتهمون أن يخبئوا أمتعة الناس، ويحرقون الحصير وما أشبه، فلا أرى أن يقبل قولهم، إلا أن يأتوا بشيء معروف، ومقال مالك في كتاب ابن المواز في الصانع يسرق بيته، ويعلم ذلك، فيدعي أن المتاع ذهب مع ما ذهب، أنه لا يصدق، قال: وكذلك لو احترق بيته، فرأى ثوب الرجل يحترق، فهو ضامن، وكذلك الرهن، قاله مالك، حتى يعلم أن النار من غير سببه. أو سيل يأتي، أو ينهدم البيت. فهذا وشبهه يسقط الضمان، وبالله التوفيق.

.مسألة أقر بغصب عبد رجل زعم أنه غصبه ورجلان سماهما معه:

قال ابن القاسم: قال مالك: لو أن رجلا أقر بغصب عبد رجل، زعم أنه غصبه هو، ورجلان سماهما معه، وصدقه صاحب العبد أنهم غصبوه ثلاثتهم. قال: عليه غرم قيمته كله، ولم ينظر إلى من غصبه معه، إلا أن يكون يقرون كما أقر، أو تقوم عليهم بينة، فأما إذا لم يقروا ولم تقم عليهم بينة، فهو ضامن لجميع العبد، ولو أقر جميعهم أو قامت عليهم بينة، فوجد بعضهم معدمين، وبعضهم مليا، فإنه يأخذ جميع قيمته من الملي، ويطلب هو وأصحابه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها ولا موضع للقول؛ لأن القوم إذا اجتمعوا في الغصب أو السرقة أو الحرابة، فكل واحد منهم ضامن لجميع ما أخذوه، كأن بعضهم قوي ببعض؛ فهم كالقوم يجتمعون على قتل الرجل، فيقتل جميعهم به، وإن ولي القتل أحدهم. وقد قال عمر بن الخطاب: لو تمالى عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا، وبالله التوفيق.

.مسألة يغصب الرجل الشاة فيهديها لقوم ثم يطلبها صاحبها فيجدهم قد أكلوها:

ومن كتاب العرية:
وسألته عن الرجل يغصب الرجل الشاة، فيهديها لقوم، ثم يقوم صاحبها على الذين أهديت إليهم، وقد أكلوها، قال: إن كان الغاصب بها مليا، فهي عليه غرم، وليس على الذين أهديت إليهم شيء، وإن كان معدما أخذ قيمتها من الذين أكلوها، قيل له: فإن كان ذبحها الغاصب، ثم سيرها إليهم مذبوحة، قال في كلا الوجهين: إن كان الغاصب مليا فقيمتها عليه، وليس على الذين أهديت إليهم شيء، وإن كان معدما وقد سيرها مذبوحة، كان على الذين أكلوها قيمتها مذبوحة، وكان ما بين قيمتها مذبوحة وقيمتها حية على الغاصب، مليا كان أو معدما.
قال محمد بن رشد: قوله: إن كان الغاصب لها مليا فهي عليه غرم، وليس على الذين أهديت إليهم شيء، وإن كان معدما أخذ قيمتها من الذين أكلوها، هو مثل قوله في كتاب الاستحقاق من المدونة في مسألة محاباة الوارث في الكراء، ومثل قوله أيضا في كتاب الغصب، وفي كتاب كراء الدور منها: وإذا أخذت قيمتها من الذين أكلوها، كان لهم على قياس قوله أن يرجعوا بها على الغاصب، وإن أخذت أولا من الغاصب، لم يكن له أن يرجع بها على الذين أهديت إليهم؛ لأنه لما أهداها فقد التزم ضمانها، وإن كانوا جميعا عدما رجع على من أيسر منهم أولا، فإن أيسر الذين أهديت إليهم أولا، فرجع عليهم، كان لهم الرجوع على الواهب الغاصب، وإن أيسر الواهب أولا فرجع عليه، لم يكن له أن يرجع على الذين أهديت إليهم.
وعلى قول غير ابن القاسم في مسألة كتاب الاستحقاق من المدونة، وهو أشهب، بدليل قوله في رسم محض القضاء من سماع أصبغ من كتاب البضائع والوكالات، وقول ابن القاسم في كتاب الشركة من المدونة، يرجع أولا على الذين أهديت إليهم إن كان لهم مال، فإن لم يكن لهم مال، رجع على الغاصب، فإن رجع على هذا القول على الغاصب، رجع الغاصب على الذين أهديت إليهم؛ وإن رجع على الذين أهديت إليهم، لم يرجع الذين أهديت إليهم على الغاصب بشيء، عكس القول الأول، فإن كانوا جميعا عدما، رجع على من أيسر أولا منهم. وقد قال ابن القاسم في كتاب كراء الدور من المدونة: إنه إن كان الواهب عديما، فرجع المتعدى عليه على الموهوب له، لم يكن للموهوب له أن يرجع على الواهب، وهو خلاف ما يوجبه القياس، فيتحصل في المسألة خمسة أقوال بقول أشهب، وقد روى ابن عبدوس عنه: أن الغاصب إذا وهب الثوب أو الطعام لمن استهلكه، كان للمستحق أن يتبع من شاء منهما. قال ابن عبدوس: وسمعت سحنون يستحسن قول أشهب، ويحتج بالبيع لو ابتاع الطعام فأكله، كان له أن يضمن من شاء منهما: الغاصب أو المشتري، فكذلك الموهوب له، وبالله التوفيق، اللهم لطفك.

.مسألة اغتصبت أم ولد رجل فماتت عند المغتصب:

ومن كتاب أوله يوصي بمكاتبه بوضع نجم من نجومه:
قال ابن القاسم: إذا اغتصبت أم ولد رجل، فماتت عند المغتصب، كان عليه غرم قيمتها لسيدها أمة ليس فيها عتق.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم هذا صحيح، على قياس قوله وروايته عن مالك في أن على قاتل أم ولد الرجل، قيمتها أمة لسيدها، خلاف قول سحنون: إنه لا قيمة عليه فيها؛ إذ ليس لسيدها فيها إلا الاستمتاع بوطئها، ولا قيمة لذلك، وكذلك إذا غصبها فماتت عنده؛ لأنه لا ضمان عليه فيها، كالحرة يغتصبها فتموت عنده.
وقول ابن القاسم وروايته عن مالك أصح؛ لأن أم الولد أحكامها أحكام أمة حتى يموت سيدها فتعتق بموته، فلا تشبه الحرة، ألا ترى أن الحرة لا يضمنها بالنقل بخلاف الأمة ومن فيها بقية رق. وقد روي عن مالك فيمن غصب حرا فباعه أنه يكلف طلبه، فإن أيس منه، ودى ديته إلى أهله.
ونزلت بطليطة، فكتب القاضي بها إلى محمد بن بشير بقرطبة، فجمع القاضي ابن بشير أهل العلم بها، فأفتوه بذلك، فكتب إليه أن أغرمه إليه ديته كاملة، فقضى عليه بذلك.
ومن معنى هذه المسألة، اختلافهم فيمن غصب جلد ميتة، فقال في المدونة: إن عليه قيمته دبغ أو لم يدبغ، وقال في المبسوطة: لا شيء عليه فيه وإن دبغ؛ لأنه لا يجوز بيعه. وقيل: إنه لا شيء فيه، إلا أن يدبغ، فتكون فيه القيمة. وقيل: إن دبغ لم يكن عليه إلا قيمة ما فيه من الصنعة. وهذا يأتي على ما له في السرقة من المدونة، والصواب أن يلزمه في ذلك كله قيمة الانتفاع به، وبالله التوفيق.

.مسألة مسلم أو نصراني عدا على سفينته مسلم فحمل عليها خمرا:

وسألته عن مسلم أو نصراني عدا على سفينته مسلم، فحمل عليها خمرا، أيأخذ لها كراء؟ قال: أما إذا كان تعدى عليها نصراني، فله أن يأخذ لها كراء، ويتصدق به. قلت: فالمسلم قال: له أن يأخذ كراء سفينته فيما أبطلها، ولا ينظر إلى كراء الخمر.
قال محمد بن رشد: قوله: إذا كان الذي تعدى نصرانيا، فله أن يأخذ لها كراء، معناه: كراء مثلها، على أن يحمل فيها الخمر، أن لو أكراها نصراني من نصراني لذلك. وأما قوله: يتصدق به، فهو بعيد أن يجب ذلك عليه، إلا أن يعلم بتعديه، فلا يمنعه من ذلك، وهو قادر على منعه، وأما إن علم بذلك، ولم يقدر على منعه، فلا يجب عليه أن يتصدق إلا بالزائد على قيمة كرائها، على أن يحمل عليها غير الخمر، بمنزلة أن لو أكراها منه على أن يحمل فيها غير الخمر، فحمل عليها خمرا، فإنه إن كان علم بذلك، فلم يمنعه تصدق بجميع الكراء، قاله ابن حبيب، وأما إن لم يعلم بذلك، فلا يجب عليه أن يتصدق إلا بما زادت قيمة كرائها، على أن يحمل عليها الخمر، على الكراء الذي أكراها به، وأما إذا كان عدا عليها مسلما، فقوله: إنه يأخذ كراء سفينته فيما أبطلها، ولا ينظر إلى كراء الخمر: معناه: أنه يكون له كراء المثل في السفينة على أن يحمل عليها غير الخمر، ويقوم له أيضا ما افتدى في سفينته بتنجيسها بالخمر الذي حُمل عليها مع الأدب على الوجهين جميعا: العداء وحمل الخمر، وأما النصراني فلا يلزمه الأدب إلا على العداء خاصة، والله الموفق.

.مسألة خلط قمحا لرجل بشعير لآخر وذهب فلم يعرف:

ومن كتاب أوله أوصى أن ينفق على أمهات أولاده:
وسئل ابن القاسم عن رجل خلط قمحا لرجل بشعير لآخر، وذهب فلم يعرف قال: أرى أن يباع ويقسموا ثمنه على ثمن ما يسوى ذلك اليوم، ما يسوى القمح والشعير، ولا أحب أن يقتسموه على الكيل.
قال محمد بن رشد: إذا ذهب الذي خلطها، أو لم يعرف، فهو بمنزلة إذا اختلط من غير عَدّ، والذي يوجبه الحكم في ذلك، أن يقتسماه بينهما مخلوطا على قيمة القمح والشعير يوم الخلط، ويقوم غير معيب، بدليل ما في المدونة خلاف ما ذهب إليه سحنون من أنه يقوم القمح معيبا، والشعير غير معيب.
والذي يدل عليه ما في المدونة أظهر؛ إذ لو وجب أن يقوم القمح على أنه مخلوط بالشعير، لوجب أن يقوم الشعير أيضا على أنه مخلوط بالقمح، وذلك ما لم يقله سحنون. فقوله: أرى أن يباع فيقسموا ثمنه، على ما يسوى القمح والشعير استحسان؛ إذ لا مانع يمنع من اقتسامه بعينه على القيم، ولو لم يجز اقتسامه بعينه على القيم، لما جاز اقتسام ثمنه على ذلك؛ لأنه إنما يباع على ملكهما، فإنما يأخذ ثمن ما كان له أخذه، وإنما قال: لا أحب أن يقسموه على الكيل، يريد الطعام المخلوط؛ لأنه لما كان الحكم يوجب أن يقتسماه بينهما على القيم، لم يجز أن يقتسما على الكيل؛ لأنه يدخله التفاضل فيما لا يجوز فيه التفاضل من القمح والشعير.
وقوله: لا أحب، تجاوز في اللفظ، وتساهل فيه، وكان الواجب أن يقول في ذلك: لا يجوز، وكذلك الثمن لا يجوز لهما أن يقسماه على الكيل؛ لأنه إنما يباع على ملكهما، فلا فرق في ذلك بين الثمن والمثمون، هذا وجه القول باختصار، في هذه المسألة، وقد أفردنا الكلام عليها في مسألة مشخصة، استوعبنا فيها جميع وجوهها لمن سأل ذلك من نبلاء الطلبة، فهي تبين هذه لمن شاء أن يتأملها، والله الموفق.

.مسألة جارية بين رجلين تعدى عليها أحدهما فباعها ففاتت عند المبتاع:

قال ابن القاسم في جارية بين رجلين تعدى عليها أحدهما فباعها، ففاتت عند المبتاع بحمل أو عتق؛ أن شريكه إن شاء رجع على المبتاع بنصف القيمة، فإن فعل رجع المبتاع على البائع بنصف الثمن، ليس عليه غير ذلك، وإن شاء ترك المبتاع ورجع على البائع، فكان مخيرا عليه في نصف الثمن الذي باع به، أو نصف القيمة، أي ذلك شاء ألزمه إياه، وإن فاتت بيد المبتاع ببيع، لم يكن على المبتاع إلا نصف الثمن الذي باعها به، أو يرجع المتعدي فيكون مخيرا في نصف الثمن الذي باع به، أو نصف القيمة يوم باعها.
فإن ماتت لم يكن له على المشتري بشيء، ورجع على البائع، فكان مخيرا عليه في نصف الثمن أو نصف القيمة، فإن فاتت بنماء أو نقصان، ولم تحمل ولم تعتق، فهو مخير، إن شاء أخذ نصفها، وإن شاء أسلمها، واتبع المتعدي بنصف الثمن، وليس له إلى القيمة سبيل؛ إذا وجدها بحالها أو أفضل حالا، فإن فاتت بنقصان فهو مخير، إن شاء أخذ نصفها من المشتري، وليس له عليه قيمة، وإن شاء تركها واتبع المتعدي بنصف الثمن، أو نصف القيمة، وذلك أنها حالت عن حالها.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها، أوجب للشريك المستحق لنصف الجارية على المبتاع؛ لما أفاتها بحمل أو عتق قيمة النصف الذي استحق، إن شاء أن يأخذه بذلك، ويترك الشريك المتعدى عليه في بيعها؛ لأن القيمة قد لزمته في النصف بعتق جميعها، أو اتخاذها أم ولد، بمنزلة الجارية بين الشريكين، يعتقها أحدهما أو يتخذها أم ولد، وله مال، فإن فعلها رجع المبتاع على البائع بنصف الثمن، وإن شاء أن يترك المشتري ويتبع البائع، فيجيز البيع ويأخذ منه الثمن، أو يضمنه القيمة لفواتها عند المشتري، كان ذلك له، ولو تعدى رجل على رجل في جاريته، فباعها فأفاتها المبتاع بعتق أو حمل؛ لكان له أن ينقض العتق، ويأخذ جاريته إن كان أعتقها، واختلف إن كان أولدها، فقيل: يأخذها وقيمة ولدها، وقيل: إنه يأخذ قيمتها يوم الحكم، وقيمة ولدها، وقيل: إنه يأخذ قيمتها يوم أفاتها بالحمل، ولا شيء عليه في الولد، والثلاثة الأقوال كلها مروية عن مالك، وأما إذا باعتها المبتاع، فليس للمستحق عليه إلا الثمن الذي باعها به، إن كان استحق جميعها، أو نصف الثمن إن كان استحق نصفها، كما قال.
وقوله: إذا باعها المبتاع؛ أن له أن يرجع على البائع إن شاء، فيكون مخيرا في نصف الثمن الذي باع به، أو نصف القيمة يوم باعها؛ معناه: إن غاب بها المشتري الثاني، وأما إن وجدت بيده على حالها، فليس له أن يضمن الشريك المتعدي فيها، ببيعها نصف قيمتها، وإنما له أن يأخذ جاريته أو يخير، أي بيع شاء، ويأخذ الثمن، فإن أجاز البيع الأول، وأخذ الثمن من الشريك، مضى البيع الثاني، وإن أجاز البيع الثاني وأخذ الثمن من البائع الثاني رجع البائع الثاني على البائع الأول بالثمن الذي دفع إليه.
وأما قوله: إن فاتت عند المشتري بنقصان؛ أن له أن يتركها ويرجع على المعتدي بنصف الثمن أو نصف القيمة؛ لأنها قد حالت عن حالها، ظاهره وإن كان النقصان يسيرا، وهو نص ما في كتاب الغصب من المدونة. وقد وقع فيه دليل على أنه ليس له أن يضمن المتعدي القيمة؛ إلا أن تفوت بالعيوب المفسدة، والنص يقضي على الدليل، وقد كان الشيوخ يحملون ذلك على أنه اختلاف من القول، وأما المشتري فلا اختلاف في أنه لا يضمن الموت ولا النقصان بأمر من السماء، وإنما يضمن بجنايته عليه عمدا، وقد اختلف في جنايته عليه خطأ، حسبما يأتي القول فيه في الرسم الذي بعد هذا إن شاء الله، وبالله التوفيق.

.مسألة يغتصب العبد فيقطع يده الغاصب أو يقطعه أجنبي فتذهب يده:

ومن كتاب أوله لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس:
وسألته عن الرجل يغتصب العبد فيقطع يده الغاصب، أو يقطعه أجنبي، أو يصيبه أمر من السماء، فتذهب يده، هل يكون في جميع هذه الوجوه الثلاثة، صاحبه مخيرا إذا استحقه في قيمته وفي أن يأخذه وما نقصه القطع؟ قال: أما إذا قطعه الغاصب عمدا كان أو خطأ، ثم استحقه سيده، فسيده مخير بين قيمته وبين أن يأخذه وما نقصه القطع؛ وأما إذا قطعه أجنبي، فسيده أيضا مخير بين أن يأخذه ويأخذ عقل يده، إن كان أخذ الغاصب عقلا، وبين أن يأخذ قيمته ويترك العبد.
قلت: فإن كان أصابه أجنبي، فعفا الغاصب عن قطع اليد، قال: إن اختار أخْذه أخذه، وأخذ من الأجنبي ما نقص القطع.
قلت: فإن فات الأجنبي، قال: سيده مخير بين أن يأخذه مقطوعا ولا شيء له على الغاصب؛ لأنه لم يأخذ بيده عقلا، وبين أن يأخذ قيمته، وإذا أصاب يده أمر من السماء، فذهبت يده، فلا شيء له إلا قيمته، أو يأخذه مقطوعا، ولا شيء له على الغاصب، قلت: فإن كان الغاصب باعه من رجل، فقطع المشتري يده، فاستحقه سيده بيد المشتري قال: إن كان قطعه عمدا، فسيده مخير بين أن يأخذه ويأخذ منه ما ينقصه القطع، ويرجع هو على الغاصب بالثمن، وبين أن يأخذ قيمته من الغاصب، أو ثمنه الذي باعه به، وإذا قطعه خطأ لم يكن له إلا قيمته على الغاصب، أو يأخذه مقطوعا، ولا شيء له في القطع على الغاصب ولا على المشتري.
قال الإمام القاضي: قوله: إن الغاصب إذا قطعه عمدا أو خطأ، فسيده مخير بين أن يأخذ قيمته، يريد يوم الغصب، وبين أن يأخذ وما نقصه القطع، يريد يوم الجناية، هو قول ابن القاسم في المدونة. والوجه في ذلك، أنه بالخيار بين أن يطالبه بحكم الغصب، فلا يكون له عليه إلا قيمته يوم الغصب، وبين أن يسقط عنه حكم الغصب ويطالبه بحكم الجناية، فيكون له أن يأخذ العبد، وما نقصه القطع يوم الجناية، وإذا أسقط عنه حكم الغصب، وطالبه بحكم الجناية، فيدخل في ذلك الاختلاف، فيمن تعدى على ثوب رجل فحرقه، فإن كانت الجناية يسيرة، كقطع الأنملة، وطرف الأذن أخذ عبده، وما نقصه قولا واحدا، وإن كانت الجناية كثيرة كقطع يد أو رجل أو ما أشبه ذلك، فقيل: ليس له أن يأخذه وما نقصه، وقيل: هو مخير بين أن يأخذه وما نقصه، وبين أن أخذه ويضمنه قيمته.
وقيل: هو مخير بين أن يأخذه ولا شيء له، وبين أن يضمنه قيمته يوم الجناية، وكذلك إذا قتله الغاصب على قياس هذا القول، له أن يسقط عنه حكم الغصب، ويضمنه قيمته يوم الجناية، وهو نص قول ابن القاسم في رواية ابن أبي جعفر الدمياطي عنه: إنه مخير في قيمة العبد يوم اغتصبه، أو في قيمته يوم قتله، خلاف ما لابن القاسم في المدونة، من أن الغاصب إذا قتل العبد، فليس لسيده إلا قيمته يوم الغصب، فالقولان قائمان من المدونة على هذا التأويل الذي ذكرناه، وقد تأول ما في المدونة من قوله: إن الغاصب إذا قطع يد الجارية المغصوبة، فلربها أن يضمنه ما نقصه القطع، ويأخذها؛ أن معنى ذلك ما نقصها القطع يوم الغصب، فعلى هذا التأويل لا يقوم الاختلاف من المدونة، ولا يكون للمغصوب منه على مذهب ابن القاسم فيها أن يسقط عن الغاصب حكم الغصب، ويأخذه بالجناية مثلها، أو قطع يدها، وإلى هذا ذهب سحنون، فقال: ليس له أن يضمنه ما نقصها القطع، وإنما له أن يأخذها ناقصة، أو يضمن الغاصب قيمتها يوم غصبها.
وقوله: إذا قطعه أجنبي فسيده أيضا مخير بين أن يأخذ عقل يده، إن كان أخذ الغاصب عقلا، وبين أن يأخذ قيمته ويترك العبد؛ يريد قيمته يوم الغصب، وهذا على القول بأنه مخير بين أن يطالب الغاصب بحكم الغصب ليأخذ منه قيمة عبده يوم غصبه، وبين أن يبرئ الغاصب من حكم الغصب، ويأخذ عبده وعقل الجرح، وعلى القول الثاني الذي لا يرى له الخير في ذلك، ليس له إلا أن يضمن الغاصب قيمته يوم غصبه، أو يأخذ عبده، ولا شيء له من عقل جرحه، وكذلك إذا عفا الغاصب عن قطع اليد على القول بأنه ليس له إلا أن يتبع الغاصب بحكم الغصب، يأخذ منه قيمة عبده يوم الغصب، ويأخذ العبد كما هو، ولا سبيل له إلا أن يضمن الغاصب قيمته يوم غصبه، أو يأخذ عبده، ولا شيء له من عقل الجرح، وكذلك إذا عفا الغاصب عن قطع اليد على القول بأنه ليس له إلا أن يتبع الغاصب بحكم الغصب، يأخذ منه قيمة عبده يوم غصبه، أو يأخذ العبد كما هو، ولا سبيل له على الجاني للجناية، وعلى القول بأن له أن يسقط عن الغاصب حكم الغصب، يأتي ما ذكره في الرواية من أنه إن اختار أخذه، وأخذ من الأجنبي ما نقصه القطع، فيكون إذا فعل ذلك قد أسقط عن الغاصب حكم الغصب، وإن لم يرد أن يسقط عنه حكم الغصب، أخذ منه قيمة عبده يوم غصبه إياه، وكذلك إن فات الأجنبي، ولم يرد أن يسقط عن الغاصب حكم الغصب، يأخذ منه قيمته يوم الغصب، وإن أراد أن يسقط عنه حكم الغصب، فقال في الرواية: إنه يأخذ عبده مقطوعا، ولا شيء له على الغاصب؛ لأنه لم يأخذ لسيده عقلا، وذلك معارض لقوله فيما تقدم في رسم العرية، في الذي يغتصب الشاة فيهديها لقوم؛ أن صاحبها يرجع على الغاصب، فيغرمه قيمتها، وليس على الذين أهديت إليهم شيء، ولقوله أيضا في كتاب الاستحقاق من المدونة في مسألة المحاباة، في الكراء، ومعارض لقول أشهب أيضا في المدونة، وفي سماع أصبغ من كتاب البضائع والوكالات، والذي يأتي في هذه المسألة إن فات الأجنبي الجاني، ولم يوجد على قياس قول ابن القاسم، في هذه المسائل أن يرجع رب العبد على الغاصب بما ترك للجاني من قيمة الجناية على العبد، ولا يتبع الغاصب بذلك الجاني، والذي يأتي فيها على قياس قول أشهب، ألا يرجع رب العبد على الغاصب بما ترك للجاني من قيمة الجناية، ويتبع بذلك الغاصب الجاني، وقوله: إنه إذا أصاب يده أمر من السماء، يريد والعبد عند الغاصب، فذهبت يده، فلا شيء له إلا قيمته، يريد يوم غصبه، أو يأخذه مقطوعا ولا شيء له على الغاصب، صحيح، لا اختلاف فيه من قول ابن القاسم وتفرقته إذا باعه الغاصب فجنى عليه المشتري بقطع يده، بين أن تكون جنايته عليه عمدا أو خطأ تفسير ما وقع له في المدونة؛ إذ لم يفرق فيها في ذلك بين العمد والخطأ، وأن له أن يأخذه منه وما نقصته جنايته عليه وإن كانت خطأ، ويرجع هذا على البائع بالثمن، ووجه هذا القول أن البيع لما كان بيع غرر، فكأن ملك صاحبه لم ينتقل عنه، فكان من حقه أن يأخذ عبده، وما نقصته الجناية، عمدا كانت أو خطأ. فهذا القول على قياس القول بأن البيع على الرد حتى يجاز، والقول الأول على قياس القول بأن البيع على الإجازة حتى يرد، وبالله التوفيق، اللهم يا مولاي لطفك.

.مسألة أكرى داره سنة فسكنها المتكاري فعدا عليه السلطان فأخرجه من الدار:

ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار:
وسئل ابن القاسم عن رجل أكرى داره سنة، فسكنها المتكاري، أو لم يسكنها، فعدا عليه السلطان، فأخرجه من الدار، فطلب المتكاري القصاص مما سكن، وقال رب الدار، الكراء كله عليك، والمصيبة منك، وكيف بمثل هذا إذا نزل في كراء ظهر مضمون أو بعينه. قال ابن القاسم: قد نزل هذا بين أظهرنا في المسودة الذين قدموا فسكنوا عندنا، فقضى فيها الحزمي أن تكون المصيبة على أهل الدور، ويقاصونهم بما سكنوا قط. قال ابن القاسم: وبلغني أن مالكا سئل عنها فقال مثل قوله وهو رأيي، والظهر مثل ذلك.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، قالوا: لأن السكنى والركوب فيما يأتي، وإن كان المكتري قد اشتراه فلم يقبضه بعد، ولا يقدر على قبضه جملة، وإنما يقبضه شيئا بعد شيء، على ملك صاحب الدار، وصاحب الدابة، فوجب إذا اغتصبه غاصب أن يكون الضمان منه، بمنزلة ما لو انهدمت الدار أو ماتت الدابة.
وقد قيل في السلعة بعينها: إن ضمانها من البائع حتى يقبضها المبتاع، وإن كان قبضه لها ممكن، فكيف بالسكنى والركوب الذي لا يمكنه قبضه جملة؟ وقد وقع في المجموعة لابن القاسم وعبد الملك فيمن اكترى دارا أو أرضا، فغصبها منه رجل، فسكن وزرع؛ أن الكراء على المكتري، إلا أن يكون سلطان ليس فوقه سلطان، يمنع منه إلا الله، وليس السلطان كغيره، وهو عندي تفسير لما تقدم، ولأنه إذا أخرجه من الدار، من يقدر على الامتناع منه برفعه إلى من يحول بينه وبينه، فلم يفعل فكأنه قد سلم له الدار، وأما إذا غصبه فيها وأخرجه عنها من لا يقدر على الامتناع منه، فهو كانهدامها الذي لا صنع له فيه، ولا قدرة له على الامتناع منه، وكذلك الدابة سواء.
وقد حكى ابن حارث أنه رأى في بعض الكتب عن سحنون، أن المصيبة من المكتري، وهو بعيد، فإن قيل: إن ذلك على القول بأن قبض أوائل الكراء، قبض لجميع الكراء، عورض بجميعهم، على أن انهدام الدار من رب الدار. قال ابن حارث: وينبغي أن ينظر في الغصب إن كان قصد به رقبة الدار أو السكنى، فإن كان غصبه لرقبة الدار، فهو كالانهدام، وإن كان للسكنى فهو من المكتري، والله أعلم.
وهي تفرقة لا وجه لها في هذا، وإنما تفترق فيما يضمن الغاصب على ما روى أصبغ عن ابن القاسم في الذي يغتصب السكنى قط، فتنهدم الدار في سكناه، مثل هؤلاء المسودة الذين ينزلون على الناس، أنه لا ضمان عليه للهدم، ولا يجب عليه إلا قيمة الكراء. وقاله أصبغ؛ لأنهم لم يغصبوا رقاب الدور، إلا أن تنهدم من طول سكناهم، وفي هذا بيان.
والحزمي قاضي مصر أيام الهادي والرشيد، اسمه عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمر بن حزم الأنصاري، يكنى أبا الطاهر الأعرج، والله الموفق.